إن صناعة العطور قديمة قدم الحضارة، فقد اكتشف بعض العطور في المعابد والأضرحة الفرعونية، ويعتبر ابن سينا هو مكتشف طريقة استخراج العطور بالتقطير، وهي الطريقة التي انتقلت إلى أوروبا، وقد تم تحضير أول عطر محلول في الغول (الكحول) سنة ألف وثلاثمائة وسبعين للميلاد، بأمر من ملكة هنغاريا وعرف يومها بماء هنغاريا، ثم تطورت صناعة العطور في إيطاليا، وانتقلت منها إلى فرنسا في القرن السادس عشر للميلاد، فأصبحت فرنسا بعدها الدولة الأولى في صناعة العطور وأدوات التجميل على المستوى العالمي. وفي عام ألف وتسعمائة وعشرين بدأت مصانع باريس الضخمة في إنتاج عطور بأسمائها مثل ورث” و”شانيل” و”باتو” ويقوم بعض المصانع الكيماوية باستحداث عطور وروائح لا توجد في الطبيعة، وبعضها ينتج روائح لزهور ليست لها زيوت عطرية في الأصل، مثل زهرة الجاردينيا” وزنبق الوادي.. وغيرهما. أما الزيوت العطرية المستخلصة من النبات فتعد مزيجا من المركبات العضوية؛ وعلى وجه الخصوص مادة التربين، وعلى الرغم من تصنيع كثير من مكونات الزيوت العطرية في المعامل فلم يتم تصنيع عطر طبيعي بصورته الكاملة صناعيا حتى الآن، وينتج حاليا نحو مائتي زيت عطري بصورة تجارية تستخرج جميعها من أوراق النباتات العطرية والأزهار والبذور، أو الأعشاب واللحاء. وتعتبر طريقة التقطير بالبخار أشهر طرق استخراج هذه الزيوت؛ لاسيما إن كانت من البذور واللحاء، حيث يوضع الورد –أو غيره- في جهاز التقطير، وهو إناء معدني ضخم محكم الغطاء، ينتهي بمرشح، لترشيح البخار المتصاعد من فوهة التقطير (الوعاء معروف في الطب الأهلي) ثم يجمع السائل ويعاد تقطيره، حتى ينتهي بخلاصة الدهن الذي يتم سحبه بواسطة أنابيب خاصة، ثم يعبأ في زجاجات، وهو ما يعرف بدهن الورد –أو غيره من العطور- ثم يتم استخراج ماء الورد من بقية الخليط. أما الزيوت التي تتلف من عملية التقطير فيستخرج زيتها بعملية النقع بالدهن؛ حيث توضع الأزهار فوق طبقة من الدهن البارد الذي يمتص بدوره الزيت العطري تدريجيا.
كيف تؤثر العطور في الجسم؟ تظهر الدراسات والأبحاث أن التغيرات النفسية عند الإنسان تحدث سلسلة متتابعة من التغيرات الكيماوية في الجسم عن طريق زيادة إفراز بعض الهرمونات التي تتحكم في كثير من وظائف الجسم، مثال ذلك أن زيادة الضغوط النفسية على الإنسان تزيد من هرمونات الكورتيزون التي ترفع ضغط الدم ونسبة السكر فيه، مع زيادة معدل هرمون النمو، وفي نفس الوقت تضعف مناعة الجسم بشكل عام؛ فإذا طالت الضغوط النفسية أدى ذلك إلى ظهور أمراض مثل قرحة المعدة، والالتهابات الجرثومية، والاضطرابات العضوية المختلفة؛ وعكس ذلك صحيح أيضا؛ فالبهجة والسرور منأسباب زيادة مناعة الجسم وقوته وحيويته ونشاطه؛ ولذا فمن المهم جدا –في الطب الأهلي- إبقاء المريض في حالة نفسية طبية ومعنويات مرتفعة، وعدم إدخال اليأس إلى نفسه. ومن هنا كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل الأمل والرضى والطمأنينة إلى نفس المريض حين يعوده؛ وذلك بقوله: لا بأس طهور إن شاء الله» وبقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم رب الناس مذهب الباس اشف أنت الشافي ولا شافي إلا أنت اشف شفاء لا يغادر سقما».ولاشك أن للعطور آثارا طيبة من ناحيتين: أولا نفسية: وهي أن الروائح الطبية تفرح النفس وتنعش الروح؛ مما يؤدي إلى زيادة حيوية البدن وزيادة مناعته وفعاليته ونشاطه. ثانيا عضوية: وهي أن لبعض أنواع الطيب مفعولا طبيا مستمدا من طبيعة تركيبه، مثل زيت الكافور الذي يدخل في مراهم ودهانات كثيرة كمخفف للآلام، ومهدئ للأعصاب الطرفية، كما أن المصطكى (تدگت) يستخدم في حشو الأسنان وتقوية اللثة، والحبق (الريحان) في طرد غازات البطن وتخفيف أضرار الطمث.. وهكذا. وقد ورد في آيات قرآنية كثيرة ذكر الطيب على وجه البشرى للمؤمنين بالجنة ونعيمها؛ كقول الله تعالى في سورة الواقعة (الآية 88): {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجَنَّتُ نعيم} وفي سورة الإنسان (الآية 5): {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} وفي سورة المطففين (الآية 26): {ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على استعمال الطيب؛ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن لله حقا على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام وإن كان له طيب أن يمس منه» رواه البخاري.
ومن أشهر أنواع الطيب: 1- المسك: وهو مادة تستخرج من غزال المسك الذي يعيش في جبال الهمالايا وسيبيريا؛ وهي حقيقة كانت معروفةمنذ القدم؛ يقول المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ** فإن المسك بعض دم الغزال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق